بحث عن التواصل المعرفي و الإتصال الإنساني

إن القارئ لهذا الموضوع سيطلع على مفاهيم و أفكار تزيد من درجة ادراكه للمعرفة و صلتها بالإتصال الإنساني.

محتوى الدراسة:
و تتمثل في الموضوعات الآتية:






1. طبيعة المعرفة و حدودها.2. أنماط المعرفة و خصائصها.3. طرق اكتساب المعرفة في العالم الطبيعي و العالم الميتافيزيقي.4. صلة المعرفة بإنماء الانسان و الغاية من وجوده.5. صلة المعرفة بتقدم المجتمع و الحضارة.6. اعلاقات المتبادلة بين المعرفة و الاتصال الإنساني.
وسيتم عرض هذه الموضوعات بالقدر المناسب تباعا و وفقا لترتيبها على النحو التالي:

حينما نفكر في المعرفة فإننا ولا شك أمام موضوع يرتبط بالانسان ارتباط وجود و ارتباط وظيفة و ارتباط غاية و ارتباط مفهوم. فالمعرفة تمثل خاصية جوهرية في قوام الانسان, حيث جعل الله طبيعة الانسان قابلة لإكتساب المعرفة . و بالمعرفة ميز الله الانسان عن الاملائكة في السماء, و علم آدم الاسماء كلها, و بالمعرفة يتميز الانسان عن باقي المخلوقات, وبالمعرفة يحقق الانسان ذاته و يعظم دوره في الحياة. و بالمعرفة يكتشف عالمه و يعبد ربه. و لهذه الخصوصية في العلاقة بين الانسان و المعرفة يستدعي هذا ان تكون المعرفة مسألة حيوية في فلسفة الاتصال حتى تحتل المعرفة دورها الحقيقي و الفعال في العملية الاتصالية الانسانية بقصد إنماء الانسان و مساعدته في إدراك غاياته.
1. طبيعة المعرفة و حدودها:
ما طبيعة المعرفة و حدودها؟
يتعرف النسان على العالم الموضوعي عن طريق المعرفة التي يحصل عليها من تفاعله المستمر مع موجودات البيئة المادية و الاجتماعية, و المعرفة الانسانية اجتهادات الانسان و تفاعله مع العالم الطبيعي, الذي يمكن أن يحس به, و يشاهده و يقيم الدليل أو البرهان عليه. أما المعرفة فوق الطبيعة, فهي المعرفة التي تناول الموضوعات الغيبية (الميتافيزيقي) خارج اطار العالم الطبيعي و يحصل عليها عن طريق الوحي مثل الموضوعات الدينية الواردة في القران الكريم.

حدود المعرفة:
إن حدود المعرفة الانسانية هي:


1. المعرفة الطبيعية التي تدخل وعي الانسان عن طريق تفاعله مع اشياء الطبيعة و ظواهرها عن طريق تفكير الانسان و حواسه و ادراكاته و معرفته و منهجيته العلمية و تقنياته.2. المعرفة الغيبية (موضوعات الديانات السماوية) و ما يعرفه النسان عنها عن طريق الوحي و الرسل و الكتب السماوية.
و المعرفة هي: صيغة معقدة من الحقائق و الصور و المفاهيم و المبادئ عن الأشياء و الظواهر من الخارج و الداخل نتيجة انعكاسها على النشاط العقلي (الادراك و الوعي) عن طريق تفاعل اعضاء الحواس و التفكير المجرد.

و عادة تبدأ المعرفة الطبيعية من الادراكات الحية للخواص الخارجية للأشياء و الظواهر عن طريق منافذ الحواس التي تربط الانسان بالبيئة, ثم ينفذ الانسان الى معرفة جوهر الاشياء و الظواهر هذه عن طريق التفكير المجرد. و للحصول على التفكير المجرد ينبغي على الانسان ان يقوم بتعميم معطيات المعرفة الحسية كحطوة اساسية للتعرف على ما في الشيء من صفات عرضية و صفات جوهرية, من أجل المحافظة على الصفات الأساسية التي تكشف عن قوانين هذه الأشياء و تطورها. فالمباديء و المفاهيم هي حصيلة التعميم, في حين ان التطبيق العملي هو المعيار الحقيقي لصدقها.

و هذا يعني ان المعرفة هي: الانتقال من التأمل الحي الى التفكير المجرد و من التفكير المجرد الى التطبيق العملي (1)

و هل هناك شروط للحصول على المعرفة ؟ نعم هناك شروط للحصول على المعلافة هي : اللغة, و الدوافع, و الحواس, و التفكير, و الادراك, و القدرة, و المبادرة والتطبيق العملي.


2. أنواع المعرفة و خصائصها:
تتكون المعرفة الانسانية من أنواع مختلفة و على الرغم من تنوعها فإنها تشكل وحدة معرفية متكاملة لخدمة الانسان و مجتمعه. و على الرغم من التقارب بين أنواع المعرفة, فإن لكل نوع من المعرفة نظاما خاصا به يشكل بنيتها و منهجيتها و يسهل دراستها و تحصيلها من قبل الانسان.
و فيما يلي أبرز أنواع المعرفة الانسانية:




1. العلوم الطبيعية. 2.الرياضيات.3.العلوم النسانية. 4.اللغة.5.التاريخ. 6.الفن.7.الدين.

و يقصد بها العلوم التي تتناول دراسة الأشياء و الظواهر المادية في العالم الطبيعي الماثل للعيان و من أنواعها: علم الفيزياء, و علم الجيولوجيا, و علم الفلك, و علم الحياة, و الكيمياء بفروعها المختلفة و غير ذلك من موضوعات.
1. العلوم الطبيعية:
(1): سوركين ن.أ. فن التعليم, منشورات دار الثقافة موسكو 1974 , ص 73.
و أهم خصائص العلوم الطبيعية هي أنها تنصب على دراسة خواص المواد الطبيعية و ظواهرها المختلفة.


تمثل الرياضيات أحد فروع العلوم الخالصة, و تتميز بالدقة و الصرامة و اليقين و التجريد و الاستقلال الذاتي و العقلية الخالصة, و الرياضيات لغة منطقية تقوم على الرموز الدالة على المعنى. 2. الرياضيات:


و هي العلوم التي تتناول دراسة الموضوعات التي تتصل بحياة الانسان وسط مجتمعه و ثقافته مثل: علم النفس, الفلسفة, علم الاجتماع, علم الاقتصاد, التاريخ, الأنثروبولوجيا, العلوم السياسية, القانون و غيرها. 3. العلوم الإنسانية:


مكونات اللغة : الأشياء و الأشخاص, الأفكار و المعاني, الاحداث و الرموزو الاشارات, أفراد انسانيون. 4. اللغة:
و اللغة هي أصوات أو كلمات تحمل رموزا و تدل على معان و لأفكار تشير الى علاقة الفرد العقلية بالبنية.
وتتكون اللغة من حيث نظام رمزي من أربعة عناصر أساسية هي:
- عالم من الأشياء الموجودة حقيقة, كالأشخاص, و البحار و الأرض.
- الأصوات و الإشارات و العلامات الرمزية.
- الأفكار التي تشير الى المعاني التي تحملها الرموز اللغوية.
- أفراد انسانيون يتمتعون ببالقدرة على ربط أنفسهم بأشياء العالم المادي بطرق مختلفة.
واللغات الإنسانية هي آية من آيات الله قال تعالى: "ومن آياته خلق السماوات و الأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم " .
و اللغة ليست مجرد كلمات جوفاء, بل رموز تحمل دلالات او معانِِِِ. و المعنى قضية أساسية في اللغة, لذلك فإن الكلمات التي لا تحمل معان يصعب تعلمها لانها خالية من المضمون الدلالي عند الإنسان, لذلك فهي تشكل معنى في العملية الإتصالية.
و تحتاج اللغة الى آليات لاكتسابها و أهم هذه الآليات هي: السمع و البصر عند الأشخاص العادين, واللمس عند المكفوفين.
و تحتاج اللغة الى ارتباطات بين الرموز المسموعة و المرئية, من أجل تنظيم الأصوات مع الرموز البصرية في إطار المكان و الزمان, لتكون نظاما نقيا للإنتقال من الأشكال المكتوبة الى الاشكال المسموعة لتسهيل تعلم القراءة و الكتابة.
والمعاني عادة أوسع من اللغة, فاللغة تعبير عن الافكار داخل اطار المعاني, و لكن اللغة لا تستوعب المعاني كلها, تلك هي ميزة من أجل انماء اللغة, لذلك فان اللغة دلالة على تطوير القدرات العقلية عند الانسان .
و اللغة مهمة لتحقيق الذات و الاستمرار الاجتماعي, لان اللغة تحفظ الافكار و الاحداث و المعاني المتضمنة في اشكال اللغة المختلفة, فضلا عن دورها العظيم في التواصل الاجتماعي الذي يشكل دعامة للمجتمع ولوجود الانسان داخله.
و اللغة كائن حي يتولد من النظام الثقافي, و ليس من النظام البيولوجي لهذا فإن اللغة تكتسب من الاطار االثقافي الذي يولد فيه الانسان. عن طريق العمليات الاتصالية, لذلك فإن الانسان قادر على اكتساب أية لغة انسانية, حينما ينشأ في إطارها الثقافي, بغض النظر عن خصائصه الوراثية.

يمثل التاريخ موضوعا مهما في المعرفة الانسانية, ولكن طبيعته التي تتناول مجموعة الاحداث الانسانية الماضية, تجعل منه مشكله, و على الرغم من ذلك فقد استقر التاريخ في طبيعته و منهجيته.
و تجمع طبيعة المعرفة بين الموضوعية و الذاتية, فمن خلال الاحداث الماضية يصبح التاريخ مسألة موضوعية, و من خلال الاحداث الماضية يصبح التاريخ مسألة موضوعية, و من خلال نظرة المؤرخ نفسه إلى احداث التاريخ يصبح التاريخ مسألة ذاتية.

تمثل الفنون موضوعا مهما للحياة الانسانية, لانها تدخل في الاطار القيمي الذي يؤكد على التقدير الجمالي.
و الابداعات الجمالية التي تعلي من درجة استمتاع الانسان بالخبرة الجمالية و احساسه بمنظومة القيمة الاخرى, و مساعدته في بعث النسق القيمي داخل البيئة. إضافة الى تكوين الشخصية الانسانية الناضجة, التي تستجيب للدعوات القيمية الخبرة في النظام الاجتماعي.
ومن خصائصه: أنه يقوم على استخدام الحواس في الانسان لتشكيل الادراك الحسي الجمالي, و الخبرة الجمالية عند الافراد.
والفن لا ينتمي الى زمن خاص به, فهو ينظر الى الخبرة الجمالية في اطار الزمن المفتوح وليس في تاريخ محدد من أجل التوكيد على الصيغ الجمالية الدائمة.
والفن قيمة ذاتية, اي ان قيمته في ذاته و ليس بما يقدمه من وظائف او منافع, بل ترجع قيمته الى النظرة التأملية الادراكية التي ترغب في الاستمرار بالتأمل و الشعور بالإجلال للشيء الذي تعمل النظر فيه.
والفن يقوم على الابتكار لان الخبرة الجمالية عمل خلاق, بما تنطوي عليه من حرية و روحية تخرج من الالية و الرتابة و تدعو للتجديد و الاختراع و الابداع.
و الفن يتسم بالبحث عن المعنى و الحقيقة, و لكن المعاني في الخبرة الجمالية تقوم على تكوين الشعور و التواجد و تنظيم الشكل الذي يستند الى الوحدة و الاتساق و البناء المنطقي و تنوع الاشكال و التواصل الفني, و ان الحقيقة فيه تظهر في التفاضل الفردي أي الرأي الفردي و ليس الاجماع على الموضوع.
و للفن وظائف عديدة منها: الدعوة الى تحرير الانسان و استقلاله و تحسين مستوى التقدير الجمالي عند الأفراد, و تهذيب السلوك و انماء الشخصية, و تقوية التعبير الانساني, و حفظ القيم الجمالية في الخبرة الانسانية, و يزيد من التواصل الانساني, و تجديد الابداعات في الحياة البشرية.

يمثل الدين أحد العلوم الانسانية, لانه يعنى بشؤون الانسان و تنظيم حياته داخل المجتمع... و لكن الدين السماوي موضوع ليس من صناعة الانسان, بل هو شرعة و منهاج من الله الى الانبياء و الرسل لينذروا و يبشروا اقوامهم او الناس كافة, و قد أنزله الله الى انبيائه و رسله عن طريق الوحي الالهي, الذي جعله الله واسطة لتبليغ الرسل و الانبياء الدين الذي ارتضاه لعباده الى يوم الدين.
والدين الاسلامي هو الدين السماوي المكتمل الذي ارسله الله للناس كافة بوساطة الوحي الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغه للناس كافة و يشمل على أبعاده, العقيدة ,و العبادة و التشريع لحياة الناس و المجتمع.
و المعرفة الدينية مصدرها الوحي, و هي معرفة تقريرية من الله, و اكتسابها يتم عن طريق الايمان بها اولا, ثم التعقل بما تنطوي عليه من معان و دلالات.
ويتشوق الانسان بالفطرة الى فكره الله, تلك الفكرة التي تشكل قوام الدين الاسلامي, بل الديانات السماوية كلها, و سيظل الدين موضوعا مهما لحياة الفرد و المجتمعات الانسانية مادامت الحياة قائمة.
• صلة المعرفة بإنماء الانسان و الغاية من وجوده:
ان وجود النسان في هذا العالم, مرهون بإرادة الله و قدرته, فالله سبحانه و تعالى هو الذي قرر وجوده و قرر خلقه من طين, ثم من نطفة, ثم قدره في أحسن تقويم حيث شكله بمدخلات قابلة للتعلم باكتساب المعرفة, و حمله أمانة إعمار الارض بإقامة النماذج الحضارية في سياق شرعة الله و منهاجه.
• فما طبيعة العلاقات المتبادلة بين الانسان و المعرفة و الغاية من وجوده؟
- المعرفة و إنماء الانسان :
ان الانسان فطرة تتكون من قوى عقلية و انفعالية و جسمية و اجتماعية و روحية, و ان هذه الفطرة قابلة للنمو بفضل ما فيها من قابليات و خصائص, و ان الوسيط الذي يستخدم لانمائها هو المعرفة, فبالمعرفة ينظم الانسان وجدانه و قواه الانفعالية, و بالمعرفة يعظم النسان قواه الجسدية و يرقي مهاراته الحركية و الادائية, و بالمعرفة يتكيف مع بيئته الطبيعية و الاجتماعية, و بالمعرفة يسمو الانسان و يصعد في معارج الخير, و الروحانيات و الابداعات المستقبلية و انماء الانسان يعني انماء شخصيته و انماء شخصيته يعني تطوير ابعاد شخصيته العقلية و الانفعالية و الجسمية وتتمثل عملية انماء الانسان في تغيير سلوكه بصورة ايجابية بما يمكنه من القدرة على التكيف و مواجهة التحديات, و الصعود في السلم الانساني داخل المجتمع.
و المعرفة هي الوسيط الفعال في تطوير القوى العقلية و الادراكية عن طريق اكساب العقل قدرات على التفكير و الفهم و الملاحظة و الوعي و الاكتشاف و الاستقراء و التحليل و التركيب, و ادراك العلاقات و التفسير و المراقبة و الضبط و التنبؤ و غير ذلك من قدرات تعظم دور العقل في ادراك الوجود و ظواهره المختلفة.
فحينما يدرك العقل عن طريق المعرفة قوانين الوجود و المباديء التي تقوم عليها الاشياء, يستطيع ان يفسر ظواهر الحياة, و يفهم خصائصها, و بالتالي يزداد قدرة على مراقبتها, و التحكم فيها, و ضبطها, و التنبؤ بسلوكها, و بهذه المعرفة يستطيع الانسان ان يطوع الوجود لصالحه, بأن يقيم النماذج الحضارية في الارض, فيطور الزراعة في الارض, و يطور وسائل الاتصالات و المواصلات, و يطور النظم الاجتماعية و الاقتصادية, و يطور صحة الانسان و يحفظها من الامراض, و بالمعرفة يستطيع الانسان ان يكشف عن قوانين الاشياء و الظواهر الحياتية التي تدخل في اطار وعيه المعرفي, فيزداد خشية لله تعالى خالق هذا الوجود كله.
و بالمعرفة يستطيع الانسان ان يطور سلوكه الانفعالي و الوجداني عن طريق رفع قدرته على التلقي و الانتباه و الوعي و الاستجابة و التنظيم و التقدير و التمييز القيمي و البني و الاعتقاد و التضحية في سبيل ذلك و هي مسائل معرفية وجدانية مهمة لتطوير سلوك الانسان في الواقع الاجتماعي, و بالتالي ترقية السلوكات الوجدانية داخل المجتمع و تطوير النظام القيمي فيه و ترقيه حياة الانسان في هذه المجتمعات البشرية و اقامة النماذج الحضارية, بفضل ما تشيعه المعرفة من نظم قيمية و أخلاقية تلزم للنهوض بالحياة الاجتماعية و تمتين علاقة الانسان مع خالقه, و عشيرته و قومه و بني جنسه, كما يخضع وجدانه الى مراقبة داخلية, تمنعه من الانحراف عن منظومة القيم و محاكاتها, فتستقيم الحياة داخل الكيان الاجتماعي.
و بالمعرفة يستطيع ان يطور الانسان مهاراته و حركاته و قدراته الادائية و الابداعية, ومن خلال ذلك يعظم وظيفته في إقامة النماذج الحضارية.
و بالمعرفة يستطيع الانسان ان يحقق الغاية من وجوده حيث: خلق الانسان لعبادة الله, "و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون" (1) . فإن هذه العبادة لا تتم إلا بالمعرفة, فبالمعرفة يسبح الانسان الله , و بالمعرفة يؤدي الانسان فرائض العبادة على أكمل وجه (الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج) وبالمعرفة يعبد الله عبادة نوعية من خلال التعرف على آيات الله في الآفاق و في النفس البشرية. فادراك الانسان لقوانين هذه الآيات و المباديء التي تقوم عليها, يؤدي الى تعظيم الله في نفسه "إنما يخشى الله من عباده العلماء" (2) . و بالمعرفة و العلم يعظم الانسان دورة في الحياة "هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون" (3)...و كأن المعرفة هي الطريق الوحيد الذي يؤدي الى انماء سلوك الانسان, و تطوير شخصيته و زيادة فهمه, و ادراكه لقوانين الاشياء و ظواهر الحياة, و بالتالي ادراك الحكمة الكامنة في آيات الكون و آيات النفس من أجل ان يعقل الناس الخالق سبحانه و تعالى. و بالتالي يسلمون بكل تعليماته, و يتمثلون مضامين دعوته اليهم في الحياة الدنيا بهدف ادراك الاخرة و الفوز بالجنة دار الخلود.
* صلة المعرفة بتقدم المجتمع و الحضارة:
تتفاوت المجتمعات الانسانية في درجة تقدمها و حضارتها في إطار مسيرتها التاريخية, و يعود ذلك الى كفاءة النظام الثقافي الذي يشتغل في هذه المجتمعات.
فالثقافة التي تشبع حاجات المجتمع بدرجة كافية و يسرة, توصف بأنها مجتمعات متقدمة , و الثقافة التي لا تشبع حاجات المجتمع, و تعرض الناس الى عنت شديد, توصف بأنها مجتمعات متخلفة.
ولكن ما الألية التي تكمن وراء تقدم المجتمع و الحضارة فيه؟ لاشك ان تقدم
5. التاريخ :6. الفن:7. الدين:

(1): سورة الذاريات, الآية 56.
(2):
(3):


المجتمعات لا يحدث في فراغ , بل يحدث نتيجة نظام معرفي متكامل يشتغل بصورة ديناميكية في الواقع الاجتماعي.
فالمجتمع المتقدم هو المجتمع الذي يعتمد على العلم في تنظيم حياته الاجتماعية و الاقتصادية, و يستخدم العلم في اتخاذ القرارات التي تتصل بحياة الناس داخل المجتمع و حل المشكلات التي يواجهونها.
فبالعلم يفسر المجتمع الظواهر الحياتية المختلفة التي توجد في الحياة الانسانية, فيقف على طبيعة هذه الظواهر, و يفهمها, و يتحكم بها, و يتنبأ بما يمكن ان يطرأ عليها في المستقبل, لذلك فإن العلم يزيد من قدرة الانسان على تصميم الحياة و تخطيطها و توجيهها في المسار الصحيح. و بالعلم يتعلم المجتمع القراءة و الكتابة, و يزيل أميته الحضارية, فيتمكن من الاتصال مع الاخرين, و التكيف مع المستجدات الثقلفية التي تزيد من قدرته على الانجاز و العمل. و بالعلم ينظم المجتمع شؤون حياته السياسية و الاعلامية و الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية و الامنية و غير ذلك من نظم فاعلة في الكيان الاجتماعي, و بدون هذا التنظيم العلمي فإن المجتمع لا يتمكن من التحكم في شؤون حياته ولا يسيطر على حركة التغيير فيه, ووضعها في المسار الصحيح. و بالعلم يتحكم المجتمع في طبيعة المشكلات التي تواجه المجتمع في القطاع الصناعي و الزراعي و التجاري و غير ذلك من مشكلات, و يعمل على تشخيصها و تفسيرها و التغلب عليها.
و بالعلم يسيطر المجتمع على البيئة و يخلصها من كل ألوان التلوث و يتحكم في خيراتها و ثرواتها الطبيعية و يستثمرها لصالح الحياة فيه, و بالعلم يستطيع المجتمع ترشيد أنظمة الاستهلاك فيه, و تفعيل أنظمة الإنتاج, و بالعلم نفك ارتباط المجتمع عن كل ألوان التخلف التي تشد المجتمع الى الوراء, و تزيد فيه من درجة الوعي و الادراك و الفهم التي من شأنها ان تصلح أحواله الداخلية, و ترفع من كفاياته و قدراته و مهاراته في مواجهة التحديات.
و بالعلم تنمي التراث الانساني, و هو بهذا يصبح أساس حضارته و أداة رسالته. بل هو وسيلته في الوصول الى الغاية التي خلق من أجلها, ألا و هي العبادة و إعمار الأرض. و العلم شرط لخشية الله سبحانه و تعالى و الإقتراب منه. لهذا فإن العلم أو المعرفة يجب أن تحتل دورا حقيقيا في العملية الاتصالية بصورة تخدم الانسان و الغاية من وجوده في الحياة.
* العلاقة المتبادلة بين المعرفة و الاتصال الانساني:
لقد عرفنا من الأقسام السابقة, أن المعرفة موضوع أساسي لإنماء شخصية الانسان و تطوير سلوكه و تفعيل دوره في هذه الحياة ... و هنا نبين العلاقة بين المعرفة و الاتصال, بمعنى بيان طبيعة العلاقة بين العمليات الإتصالية و المعرفة, أي إذا كان الإتصال هو عمليات, فكيف تقدم المعرفة من خلال هذه العمليات الإتصالية الى الانسان من أجل انمائه و تطوير سلوكه و نمط فعله في الوجود؟ و عليه يمكن بيان طبيعة العلاقة بين المعرفة و الاتصال في الصيغ الآتية:
فعن طريق الاتصال يكتسب الانسان اللغة و ما تحمله من دلالات و معان و رموز للتعبير عن عالم الأشياء و الظواهر في الحياة. فيساعده على النموفي التفكير و يمثل المفاهيم المحتلفة لموضوعات الحياة و ظواهرها.
و عن طريق الاتصال, يكتسب الانسان مفاهيم و مباديء و قوانين و أدوار النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه, فيتمكن من التفاعل معه و التكيف لظروفه و النماء الاجتماعي في إطاره, دون ارتطام معه, بفضل القدرات المعرفية و الادراكية التي يكتسبها عن طريق العمليات الاتصالية.
و عن طريق الاتصال يكتسب الانسان المعرفة المتصلة بخصائص موضوعات المفاهيم و المباديء التي يقوم عليها العالم الطبيعي . و عن طريق هذه المفاهيم و المباديء يزداد الانسان فهما ووعيا لهذا العالم, فيتمكن من تفسير الظواهر المختلفة فيه و ادراك قوانينها, و التحكم بها, و التنبؤ بما يمكن أن تكون عليه من سلوك في المستقبل.
و عن طريق الاتصال يستطيع الانسان أن يفهم المعرفة الدينية و يتعرف على موضوعاتها المختلفة, و يشكل علاقة وعي بينه و بين هذه المعرفة فيما يتعلق بتوحيد الله , و تشريعات المجتمع , و عبادة الخالق, و لولا العمليات الاتصالية بمعناها الواسع لانقطع الانسان عن هذا النوع من المعرفة الدينية التي جاءت الى المجتمعات الانسانية عن طريق الرسل ة الأنبياء الذين اختارهم الله لتبليغ رسالتهه الى الناس.
و عن طريق الاتصال يمكن تقديم ما يستجد من معارف و مكتشفات علمية, من أجل تواصل الانسان مع المعرفة التي تقتضيها طبيعة الحياة و الحاجات الحضارية و بهذا التواصل المعرفي الذي يقوم به الاتصال, فإن الانسان يستطيع أن يتوازن مع مستجدات الحياة المعرفية و يتكيف مع واقع البيئة الطبيعية و الاجتماعية.
و عن طريق الاتصال, يمكن تحديد المعرفة كما و نوعا فضلا عن إثراء المعرفة بالابداعات و المستجدات, و ذلك عن طريق العمليات الاتصالية التي تتناول الاهتمام بإحياء القدرات العقلية العليا في الانسان, و تتجاوز حدود المعرفة اللفظية و التركيز على وعي المعرفة بصورة نوعيه من أجل تمكين الانسان من القدرة على الفعل و الانجاز عن طريق تفعيل دوره الاجتماعي.
- التأثيرت المعرفية للإتصالات الجماهيرية:
إن وسائل الاتصال تمارس نفوذا قويا على الشؤون الانسانية. و تعزى القدرة على قولبة عقل الجمهور على نطاق واسع إلى التلفزيون و الصحافة و الأفلام و الإذاعة و مجموعة كاملة من التقنيات الجديدة للإتصالات.


و قد شارك علماء الاجتماع و المؤرخين و السياسيين و الجمهور العام الإعتقاد في قدرة الاتصالات الجماهيرية علة تحقيق تأثيرات سياسية و اجتماعية هامة. و لقد ركز العلماء المهتمون في وسائل الاتصال في السنوات الاخيرة على الوعي و المعلومات في عملية الاتصال و أكدت الابحاث على هذا الصعيد على التأثيرات الإجتماعية الهامة الناتجة من التعرض لوسائل الإتصال. و أن الناس يتعلمون بالفعل من الاتصال الجماهيري. و هم من خلال معرفة المعلومات الحقيقية حول الشؤون العامة و ما يحدث في العالم يتعلمون مقدار ما يعطونه من الأهمية لمسألة أو موضوع ما من التوكيد الذي له وسائل الاتصال الجماهيرية.
و تؤكد الابحاث المتعلقة بتأثيرات وسائل الاتصال الجماهيرية, على ان تلك الوسائل تلعب دورا هاما في تشكيل حقيقتنا الاجتماعية من خلال اختيار الاخبار و المواد الاعلامية الاخرى و عرضها. و تحدد وسائل الاعلام الى درجة كبيرة المسائل المعرفية الهامة التي تثير اهتمام الافراد.
و قد سمي تأثير وسائل الاتصال الجماهيري هذا – القدرة على التأثير على التغيير المعرفي بين الأفراد, و بناء تفكيرهم – وظيفة الاتصالات الجماهيرية في وضع البرامج.
و هنا تكمن أعظم التأثيرات المعرفية لوسائل الاتصال و هي في مقدرتها على ترتيب و تنظيم عالمنا لنا بشكل عقلي. " و قد لا تكون وسائل الاتصال الجماهيري ناجحة في اخبارنا المسائل التي نفكر بها, و لكنها تكون ناجحة بشكل مذهل في إخبارنا ما الذي يجب أن نفكر فيه" .
و وظيفة وسائل الاتصال المعرفية يعود مفهومها إلى توجيه اهتمام الافراد الى الجوانب المعرفية للاتصال, و الى الوعي و المعلومات ... و تتعلق المعارف كذلك بمعرفتنا و معتقداتنا عن الأشياء التي تثير اهتمامنا سياسية كانت أم اجتماعية أو أية أمور أخرى.
و يلاحظ أن العلاقة بين المعرفة و وسائل الإتصال علاقة جدلية دورية و ليست علاقة خطية باتجاه واحد, فالاتصال يعمل على تطوير المعرفة بفضل ما تثيره من ابداعات في خصائص التفكير و السلوك الانساني , و المعرفة تعمل على تطوير وسائل الاتصال بفضل ما تطرحه من مكتشفات علمية جديدة في إطار طبيعة الانسان او المادة الطبيعية أو التقنيات أو غير ذلك من ألوان معرفيه تنفع الانسان و مجتمعه لتصميم الحياة الاجتماعية و التخطيط لمستقبلها, و ان المستجدات المعرفية تعمل على ترقية عمليات وسائل الاتصال من حيث فلسفتها و أهدافها و مضمونها المعرفي و تفعيل دورها في إنماء الانسان و المجتمع و بهذا النمط من العلاقات المتبادلة بين الاتصال و المعرفة تصبح المعرفة وسيلة لغايات و سائل الاتصال و تصبح وسائل الاتصال عمليات لغايات معرفية, و ان كلا من الاتصال و المعرفة و سيلتان لغاية أكبر هي انماء الانسان و تطوير سلوكه و تفعيل دوره في الحياة .



د. محمد ناصر الخوالدة



المراجع
www.5edmacairo.yoo7.com
• سوركين ن.أ. فن التعليم, منشورات دار الثقافة , موسكو 1974
• برتمان رسل, التربية و النظام الاجتماعي, ترجمة سمير عبده, مكتبة القاهرة الحديثة, القاهرة 1973
• فيليب فنكس, فلسفة التربية, ترجمة محمد النجيحي, دار النهضة العربية, القاهرة 1982.
• عبد الغني عبود , الأيدولوجيا و التربية , دار الفكر, القاهرة 1978.
• د. سيد محمد ساداتي الشنقيطي, الإعلام الإسلامي (الأهداف و الوظائف) دار عالم الكتب, الرياض 1997.
• ج. هوغ . ليفيك. 1. مودان , لوبنير غونزاليز, ترجمة د. نظير جاهل "الجماعة, السلطة و الإتصال" المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع بيروت 1991.
• د. عبد العزيز شرف, اللغة الاعلامية, دار الجيل بيروت 1991.
• د. عبد الوهاب محمد كامل , سيكولوجيا السلوك الاجتماعي والإتصال , جامعة طنطا مصر 1994.
• برنت د. روبن, الاتصال و السلوك الانساني, ترجمة نخبة من أعضاء قسم وسائل و تكنولوجيا التعليم بكلية التربية , جامعة الملك سعود, معهد الإدارة العامة 1991.
• جون ميرل, رالف لوينشتاين, ترجمة د. ساعد خضر الحارثي, الإعلام و سيلة و رسالة, دار المريخ الرياضي 1989.
• محمد سيد فهمي , الاعلام في المنظور الاجتماعي, المكتب الجامعي الحديث , الاسكندرية 1984.
• دوريس إيه جريبر, ترجمة د. أسعد ابو لبده, سلطة وسائط الاعلام في السياسة, دار البشير , عمان 1999.
• ستيفن إنيز لابيير , روبي بيير , شانتو إينجر, ترجمة د. شحده فارع "لعبة وسائط الإعلام : السياسة الأمريكية في عصر التلفزيون" دار البشير, عمان 1998.