هل أحد ضد الاضرابات والمظاهرات والاحتجاجات مهما كانت أسبابها؟ الإجابة لا.. والدليل رصيف مجلس الشعب وما حدث عليه وما نقلته فضائيات الكون بالصوت والصورة.. والدليل كذلك عشرات الهايدبارك الموجودة في أكثر من مكان وأشهرها شارع عبدالخالق ثروت. حيث نقابة المحامين ونادي القضاة وسلم نقابة الصحفيين الذي أصبح منبرا للتعبير عن مشاكل كل الفئات والعمال والموظفين.
هل أحد ضد التعبير عن الغضب بأي صورة أو وسيلة؟ المؤكد لا. فحرية ذلك مكفولة للجميع وتمارس علنيا في الشركات والجامعات والشوارع والميادين في كل المحافظات.
إذا كان ذلك كذلك فأين المشكلة؟ المشكلة تتمثل في أشياء تخص المواطنين من ناحية. وتخص كذلك بعض الوزارات والمحافظات والشركات وكذلك بعض المسئولين بالأحياء والمتعاملين في مواقع خدمة الجماهير. من ناحية أخري.
وحتي أكون منصفا سأبدأ بالجانب الآخر وهو التقصير الذي يخص بعض الوزارات والمحافظين والشركات وغيرها.. فالمواطن الذي طهق وضج وأوشك علي الانفجار بسبب مشاكله مع تلك الجهات. ليس من بين هواياته أن يفتعل المشاكل معها. أو "يرمي بلاه" عليها. إذ لابد أن له مشاكل حقيقية وحقوقا ملغية. وأنه لجأ إلي كل الطرق والوسائل قبل أن يغضب أو يحتج ولكن المسئولين في تلك الأماكن "ودن من طين وأخري من عجين". فكانت النتيجة أنه أصبح في حكم المضطر وعليه أن يركب الصعب.
بسبب تعنت بعض المسئولين في أماكن عدة وبسبب آلة الروتين التي صنعناها من العجوة وعبدناها.. وبسبب غياب الحنكة والذكاء السياسي عند كثيرين في تلك الجهات. جعلنا بعض المواطنين يتركون قنوات التعبير عن مشاكلهم وهمومهم ويلجأون إلي قنوات أخري خارجية. وهنا ودون أن يدري المتسببون تركوهم لمن يراقبون وينتظرون "السقطة واللقطة" حتي يستثمروها وينفخوا فيها الكير. حتي يشعلوا النيران وتنتشر كل الروائح الكريهة. فتنتقل عدوي اليأس والإحباط الي كثيرين يتم تسهيل مهمتهم في الانضمام إلي نادي الغاضبين والمحتجين والحصول علي عضويته.
فيما يخص المواطنين. فإن أحدا لايمانع حقهم في الغضب والاحتجاج والتظاهر. ولكن بالعقل.. وسيرد البعض قائلا : المسئولون في الأماكن التي نتعامل معها والتي لجأنا إليهم من أجل الشكوي ورفع الظلم. طيروا عقولنا. وقالوا لنا اخبطوا رءوسكم في أقرب حائط. هذا إذا تكرموا من الأساس وقابلونا واستمعوا إلينا. وبالتالي لم نجد بدا من الخروج.
وأرد. هنا مربط الفرس. فمعظم المشاكل تأتي أثناء عملية الخروج تلك وتتمثل من وجهة نظري فيما يلي :
1 المؤكد أن معظم من خرجوا للتعبير عن غضبهم والبوح بشكواهم حسنو النية ولايشكك أحد في نواياهم أو وطنيتهم. ولكن البعض منهم يتلقفه المغرضون والمتربصون ويركبون موجتهم. ويتحكمون في تصرفاتهم بالريموت كنترول. فيوجهون حماستهم إلي وجهات خبيثة تضر أكثر مما تفيد.
2 بعض الذين خرجوا للتظاهر أو الاضراب أو الاحتجاج "يشوطون في معظم الأحيان خارج الجون".. علي سبيل المثال من له مشكلة مع غلاء الأسعار أو حتي مع تعديل الدستور أو مع شقة لم يتسلمها أو مع علاوة حرم منها أو كادر لم يطبق عليه. ما علاقة وزارة الداخلية بها حتي نقف أمامها وحولها يوم عيد الشرطة.
3 ربنا عرفوه بالعقل.. فعندما نجد الأمن في مظاهرات واحتجاجات رصيف مجلس الشعب الماضية وكذلك في الوقفة الاحتجاجيه لمجمع التحرير. واقفا لايتحرك طالما أن الجميع ملتزم بوقفته الاحتجاجية أو يحسن التصرف في التعبير عن رأيه أو احتجاجه. عندما يحدث هذا الالتزام الأمني. نجد هناك من بين المندسين من لا يعجبه أن تكون الصورة حلوة فتعكسها الفضائيات والعدسات علي هذا النحو. فسنجدهم يقذفون الشتائم والطوب علي أفراد الأمن. فيكون رد فعل الأمن ومن بينهم اللواء اسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة. هو عكس ما يتمنون مزيداً من الصبر وضبط النفس وعدم الانجرار إلي الفوضي التي يريدونها أن تعم. فالأمن لايتعامل مع أغراض القلة المندسة. وإنما يتعامل مع حق الأغلبية الموجودة في التعبير.
4 وربنا عرفوه بالعقل أيضا عندما يجد المواطنون المحتجون علي رصيف مجلس الشعب أن مخرجين وسماسرة قد اندسوا بينهم للتجارة والمتاجرة واستثمار الموقف الاستثمار السييء "علشان الصورة.. صورة البلد تطلع بالغة السوء".. فالمواطن صاحب الحق في الاعتراض والشكوي والفضفضة. قد وجد معه من يتفنن في الإخراج والأكشن. فيبدع في صنع مشانق ملونة للأطفال ويعلقهم في الشجرة. ويتفنن في لفت انتباه الفضائيات فتتفتق عبقريته عن إدخال عنصر الصوت مع الحركة فيظهر المحتجون عن غلاء الأسعار وهم يرطمون السكاكين والملاعق مع الحلل والأطباق الفارغة تعبيرا عن الجوع وعدم القدرة علي مجاراة هوجة ارتفاع الأسعار.
5 وربنا عرفوه بالعقل أيضا. عندما يجد المواطنون علي الرصيف. أن بينهم من يحرض علي قطع طريق شارع القصر العيني. وذلك بدعوة المتظاهرين الي النوم في عرض الشارع. لكي يصبح قطع الطرق سواء في شوارع المدن أو الدائري أو الزراعي موضة ووسيلة احتجاج.
هنا لابد أن يسأل العقلاء أنفسهم.. ماهي المصلحة التي يريد أن يجنيها هؤلاء الذين يندسون بيننا ويركبون الموجة؟
المؤكد أنهم لايريدون أن يطفئوا نارا. ولكن يريدون أن يشعلوا البيت نارا. وبدلا من أن نعبر عن غضبنا واحتجاجنا بشكل حضاري يدخلون عنصر الفوضي. ويختلط الحابل بالنابل. فلا نعرف صاحب المشكلة الحقيقي من التاجر الذي جاء ليؤجر الرصيف بالبلاطة فتظهر له قائمة انتظار وتنشأ سوق سوداء. فيضطر المسئولون لإلغائه مع أنه كان من الممكن أن يظل هايدبارك حقيقيا لو كان قد صانه أصحاب الرأي ومنعوا عنه المندسين والمتاجرين.
بقي شيء هام وهو لماذا نجعل وزارة الداخلية تجني دائما أشواك وأخطاء كل الوزارات والمحافظات والأحياء والجهات المتعاملة مع الجماهير.. لماذا لاتفتح كل تلك الجهات قنوات الاتصال والشكاوي وصناديق الملاحظات والاعتراضات ويتم التحقيق فيها. والاستماع الي أنين أصحابها أين ذهبت صناديق الشكاوي. ولمن يشكو الشاكي صندوق الشكاوي إذا لزم الأمر؟
أمور كثيرة يجب أن نعيد النظر فيها خصوصا أننا قد آلينا علي أنفسنا أن نسير في طريق الحرية السريع حتي نبلغ كل محطاته وأنه لارجعة الي الوراء مطلقا. من هنا يجب ألا نسمح لعبدة آلهة الروتين أو الذين يجهلون ألف باء سياسة. أن يعطوا الفرصة لكل الذين يريدون بمصر وأهلها سوءا.. حفظ الله أرض الكنانة